رحلة
اللاوصول
إذا
كانت
الترجمة
كما يقال
خيانة
للأصل ألا
تنطوي
الكتابة
أيضاً على
فعل خيانة
، ألا تحمل
كل كتابة
حذف
وإزاحة
للكثير من
المسكوت
عنه .. لماذا
نصيغ جملة
من الجمل
بهذا
الشكل دون
غيره ؟
لماذا
نورد
أفكاراً
ونستبعد
أخرى
أثناء
عملية
الكتابة ؟
ولماذا
نغفل
الكثير من
الأشياء
والمعلومات
والتفاصيل
ونركز
الضؤ على
أخرى لا
لأنها
أكثر
أهمية بل
لأننا نظن
ذلك أو
ربما لأن
لنا
حساباتنا
الأخرى
العائقة
أحياناً
عن قول كل
شيء .. إن كل
كتابة هي
خيانة
ترتكب ضد
الأفكار
والمشاعر
الداخلية
للإنسان ،
لأن
الكتابة
وسيلتها
الوحيدة
للتعبير
هي اللغة ،
واللغة
مهما
أحكمت
التعبير ،
ووظفت كل
بلاغاتها
وإمكانتها
تظل
بعيدة عن
الأصل ،
لأن
الأفكار
والمشاعر
حميمية
شديدة
الإلتصاق
بروح
الإنسان ،
حارة ،
متوترة ،
مقلقة ،
وهي
متمردة في
كثير من
الأحيان
على كل
القوالب
اللغوية
مهما أوتي
صاحبها من
قدرة
عظيمة على
التعبير ،
وموهبة
فـذة على
الإبداع
والخلق ،
فمهما
حاول ستظل
هنالك
بقية
أساسية لا
يمكن
نقلها
للآخرين ،
وربما هي
الشيء
الأهم من
كل ما كتب
وسجل ،
يقول
هيبوليت
أحد
شخصيات
رواية
الأبله
لفيدور
دستويفسكي
: " إن كل
فكرة
عبقرية
وإن كل رأي
جديد بل
وكل رأي
جاد ينشأ
في دماغ
الإنسان ،
أقول إن كل
شيء من هذا
القبيل
يشتمل على
بقية لا
يمكن
نقلها إلى
الآخرين
ولو وقف
المرء على
محاولة
الإفصاح
عنها
كتباً
كاملة أو
يظل يقلب
الأمر على
وجوهه مدة
خمس
وثلاثين
عاماً . إن
تلك
البقية لن
تخرج من
رأسك بأي
حال من
الأحوال
بل ستظل
باقية فيه
أبد
الآبدين ،
ستموت أنت
قبل أن
تستطيع
نقلها إلى
أحد وربما
كانت هي
التي
تشتمل على
الشيء
الجوهري
في تفكيرك
.." .
إن
الأفكـار
التي
تتولـد في
دواخـل
الإنسان ،
وتنمـو
وتنضج
بمرور
الأيـام
والسنوات
،
والمشاعر
الحميمية
،
والعواطف
الإنسانية
السامية ،
والذكريات
السعيدة
والحارقة
في نفس
الوقت ،
والتي
تشكل
الصلب
الأساسي
في
كينونته
ووجوده ،
تظل بعيدة
ملتصقة في
الداخل ،
ولا يخرج
عبر اللغة
سوى وهجها
الحار ،
وهي تعاود
إثارتنا
وإيجاعنا
وتعذيبنا
، لأننا
حالما
نفرغ من
كتابتها
ونظن أننا
تخلصنا
منها
تنطلق هي
إلى إحدى
الردهات
المستقبلية
التي سنمر
عليها
لاحقاً
لتفاجئنا
بظهورها
بشكل أكثر
إلحاحاً
وإيلاماً
، وتعلن عن
رغبتها
الجامحة
في
التنفيس
والتعبير
عن نفسها ،
لهذا
فالكتابة
تخفف عن
الإنسان
وتريحه ،
وتقدم له
أحياناً
العزاء عن
خساراته
الكبيرة
وأحزانه ،
لكنها لا
تشفيه
أبداً ،
وفي كل مرة
يعاود
الكتابة
ستتسرب
الحمى إلى
ضلوعه
وعظامه .
إن
الكتابة
تجاهد
باللغة
وهي
معركتها
الكبرى
وتحديها
الصعب ،
لهذا فهي
تشحن
الكلمات
بطاقات
هائلة من
المشاعر
والأفكار
في محاولة
للوصول
إلى الآخر
، وتحقيق
نوع من
المشاركة
الوجدانية
، وعملية
الكتابة
بهذا
المعنى
خاصة في
مجال
الإبداع
الشعري
والفني
عموماً هي
معـاناة
كبيرة
تصـل عند
بعض
الكتاب
إلى حـد
الإختناق
الحميمي
والبكاء ،
وإلى
إرهاق
نفسي
وتوتر حاد
من أجل
الوصول
إلى كلمة
واحدة لا
يستقيم
المعنى
بدونها
ولعل كلمة
الفرزدق
الشهيرة
أبلغ
تعبير عن
هذه
المعاناة
حين قال : "
والله
لخلع ضرس
من أضراسي
أهون علي
من قول بيت
من الشعر " .
وإذا
كان
الشعراء
والكتاب
يتحملون
هذا
الشقاء
الهائل من
أجل
التعبير
والإبداع
والوصول
إلى
القارئ ،
فإن
كيفيـة
تعاطي
هـذا
القارئ مع
العمل
الإبداعي
تشكل
أمراً في
غاية
الأهمية ،
لأن البعض
منهم يمـر
في كثير من
الأحيان
بنظرة
عابرة
وبمشاعر
باردة على
ما يعتبره
الكاتب
أهـم ما في
عملـه
الإبداعي
من مقاطـع
وأكثرها
حميميـة
وربما هي
الجوهر
الأساسي
في عمله
الإبداعي
كـله ،
وأحياناً
تحتاج
هـذه
الكلمات
إلى العين
المتفهمـة
،
المتفحصة
، المدركة
بما لديها
من رهافة
إحساس
للقيمة
الكبيرة
للعمل
الإبداعي
، ولأن هذه
المقدرات
تتفاوت
بين البشر
فقد ظلت
كتابات
كثيرة
تعتبر
هامة في
التاريخ
الإنساني
سنوات
طويلة في
غياهب
الإهمـال
والنسيان
إلى أن
أعيـد لها
الاعتبار
لاحقاً
وأحياناً
تعرض
أصحابها
للنقـد
الشديـد
في حياتهم
قبـل أن
يلقوا
التقـدير
الحقيقي
بعـد
موتهم من
قبـل
الأجيال
اللاحقة ،
فكيفية
التعامل
مع الكلمة
من قبل
القراء
تعتبر
الشيء
الذي لا
يقل أهمية
عن عملية
الكتابة
نفسها ،
لأن
التعامل
العميـق
والحقيقي
يفتـح
منافـذ
النص على
العقل
والقلب
ويحقق
التفاعـل
الإنساني
والتعالـق
الحميمي
مع روح
الكاتب
ومشاعره ،
فكما يقول
كازنتزاكي
: " .. فكل
كلمة
صَدَفة
صلبة
تحتوي على
قوة
انفجارية
عظيمة .
ولكي
تكتشف
معناها
يجب أن
تدعها
تنفجر في
داخلك
كقنبلة
لكي تحرر
الروح
التي
تحتجزها .. "
.
ولهذا
تظل
الكتابة
هي رحلة
اللاوصول
واللاإنتهاء
فالشاعر
والروائي
يطارد
أفكاره
ومشاعره
وذكرياته
بشباك
اللغة ..
لكنها
سرعان ما
تتملص
وتنزلق
مرة بعد
أخرى .. ومن
رحلة
المطاردة
اللانهائية
تتوالد
القصائد
والفنون
جميعاً .
|