عن
حال
الثقافة
والمثقفين
)أما
الأحبة
فالبيداء
دونهم
فليت
دونك بيد
دونها بيد(
..
المتنبي
إحدى
الظواهر التي يحار المرء في تفسير
اسبابها هي حالة النكوص المزمنة
المصاب بها المثقف العماني والتي
تجعله في حالة انسحاب وتوار دائمة
الى الحد الذي يدفع المتابع للحياة
الثقافية العامة الى التشكك ان كان
هذا المثقف موجودا فعلا ام غير
موجود .. لكننا نعلم ان لدينا شعراء
وقصاصين وروائيين ومسرحيين وشريحة
واسعة من القراء والمثقفين واصحاب
اراء واتجاهات فكرية مختلفة
والسؤال الذي يطرح نفسه ان كان كل
هؤلاء موجودين فلماذا هم متوارون
لا يسمع لهم صوت ولا يعرف لهم رأي
لماذا هم شبه مختفين عن الحياة
الثقافية ولماذا لا يمارسون
وظيفتهم ولا يقومون بأعباء
مسئولياتهم كفئة مستنيرة لديها
مشاريعها الفكرية والمعرفية
والاجتماعية؟؟
ان العادة التي درجت عليها
المجتمعات الحديثة هو ان تكون
الصحف والمجلات هي المرآة العاكسة
للحياة الثقافية ومدى ما فيها من
حيوية وغنى وفاعلية اضافة طبعا الى
المنتديات والاندية والفعاليات
الثقافية فكل هذه وسائل للتواصل
الفكري والثقافي والاسهام المعرفي
اضافة الى انها اداة للتغيير
الاجتماعي مما يجعل كافة ألوان
الطيف الادبي والفكري والفني في
حالة تحاور وتبادل ونقاش خلاق يرقى
بكافة الفنون والاداب وفي خضم كل
هذا يكون المثقف حاضرا وفاعلا
ومؤثرا ، وأراؤه معلنة واتجاهاته
الفكرية واضحة واختلافه مع غيره
يكون في حوار نقدي موضوعي ومنطقي
وبعيد كل البعد عن التجريح
والاساءة للاخرين.
لكننا
حين نقلب الصفحات الثقافية
بجرائدنا وملاحقها الثقافية
والمجلات
المحلية
ونبحث عن هذا العدد الوافر من
المثقفين لا نجد إلا قلة قليلة جدا
والبقية قد تكتب مقالة في السنة او
لا تفعل بتاتا لكنها كل ثلاثة اعوام
ستفاجئنا بمجموعة قصصية او ديوان
شعري وتغيب بعده دهرا طويلا كذلك
تقام فعاليات ثقافية جادة كما حدث
اكثر من مرة لا تجد الا اسماء
بعينها تحرص على الحضور والتواجد ،
وربما ان الوسيلة الوحيدة للتواصل
مع هؤلاء المثقفين هي الوسيلة
البدائية اي الاتصال الشخصي الذي
لا يتوافر سوى عن طريق المعرفة
الشخصية وحتى إن تم فهو لن يتعدى
السؤال عن العلوم والاخبار.
حين
نعود الى السبعينيات والثمانينيات
وحتى منتصف التسعينيات ونقرأ الصحف
والمجلات سندهش من الكم الكبير من
الكتاب والمثقفين والشعراء الذين
كانوا يسهمون بانتاجهم الفني
والادبي وكان البعض منهم يملأ
الدنيا ضجيجا لفترة وجيزة ثم
يتلاشى كما تتلاشى الشهب في ظلمة
الليل اسماء عديدة ظهرت لم يعد لها
وجود فعلي الان وحالة الظهور
السريع والاختفاء الاسرع هذه ظلت
سمة تسم الغالبية العظمى من
الشعراء والكتاب والمثقفين
العمانيين عموما طوال العقود
والسنوات الماضية وهي تحتاج الى
تحليل عميق لا يغفل الحالة النفسية
والاجتماعية التي يعيشها هذا
المثقف والمناخ الثقافي والسياسي
العام.
هنالك
مثقفون قدامى عرفتهم الساحة
الثقافية تحولوا الان الى موظفين
بكل معنى الكلمة تنحصر همومهم في
الدرجة المالية وتحسين مواردهم
ودخلهم هنالك مثقفون اجبرتهم
الفاقة وحاجة البحث عن قوت للعيال
الى التخلي عن الكتب وهجر الثقافة
التي لا تغني من جوع ، هنالك مثقفون
اصطدموا مع المؤسسة في فترة مبكرة
وبالتالي انسحبوا وتراجعوا وهجروا
الثقافة ومنهم من تحول الى تجار
كبار ، هنالك مثقفون يعانون من
اغتراب وجودي يجعلهم في حاجة الى
وسائل مساعدة للغياب عن الواقع
الأليم وهنالك من اصيبوا بحالة من
الاحباط والشعور بعبثية مدمرة
للذات وحالات عديدة مختلفة تؤدي
كلها الى هذا الفراغ الكبير الذي
نشعر به في ساحتنا الثقافية وهو ما
يسبب خسارة كبيرة لنا جميعا.
لا
يمكن الحديث عن انكفاء المثقف
العماني على ذاته ، وتخليه عن دوره
ووظيفته ، وانسحابه من الحياة
الثقافية والاجتماعية دون أن نحدد
ونوضح أولاً طبيعة هذا الدور الذي
ينبغي أن يقوم به المثقف العماني
وإلا أصبح حديثنا غامضاً ومبهماً ،
وقياساً على هذا الدور المفترض
يمكننا تقييم واستيضاح مدى هامشية
الدور الفعلي الذي يقوم به
فالمقارنة دائماً ما تشحذ الأذهان
، وتنير العقول ، ولكن وقبل كل شيء
لا يمكن الإدعاء أبداً أن بإمكان
المرء أياً كان أن يقدم تشخيصاً
فردياً جامعاً مانعاً ، ولا أن يقدم
حلولاً وأجوبة بل أقصى ما يستطيعه
وهذا هو الأهم هو أن يثير الأسئلة
ويدفع أكبر عدد ممكن إلى التفكير
وإثراء النقاش خاصة في موضوع واسع
ومتشعب كالذي نتناوله .
إننا
مجبرون على النظر حولنا والتفكير
في واقع يتشكل ويتغير في الحياة
اليومية دون وجود مرجعية معرفية أو
فكرية قامت بدراسته وتحليله ،
فكثيرة هي الكتب التي تناولت أزمة
الثقافة وأزمة المثقفين في العالم
العربي كذلك توجد كتب وكتّاب
تناولوا إشكالية الثقافة
والمثقفين في الخليج العربي ومنهم
من تناول ظاهرة انسحاب المثقفين
الخليجين من الحياة السياسية
والثقافية والاجتماعية وهي
بالمناسبة ظاهرة ملفتة للانتباه في
أكثر من دولة خليجية! .. ولكن إلى
الآن لا يوجد كتاب عماني تناول هذا
الموضوع وقد يقال أن الظروف تتشابه
إلا أنه ثمة خصوصية عمانية إن صح
استخدامها في هذا المجال ومناخ خاص
لم يتم التطرق إليه سوى في مقالات
لم تتناوله إلا من زوايا جانبية ولم
تنظر إليه بشمولية
وعلينا إذاً أن لا ننقل قدر
الإمكان من الكتب وأن نفكر في
الموضوع ، وأن نقارن ، ونحلل ،
ونستنتج ! .. علنا نصل إلى حلول
وأجوبة جماعية وبالتالي إعادة
العربة إلى السكة كما يقال .
ما
هو الدور المفترض ؟ ولكن وقبل كل
شيء من هو المثقف ؟ لا نريد الخوض في
تعريفات لا تنتهي ترجع بنا إلى
الرماح العربية المثقفة .. لكنه
يمكننا القول أن المثقف كإصطلاح
غربي يرجع إلى فترة تاريخية محددة
وهو عام 1898م
وذلك عندما سجن الضابط اليهودي
درايفوس إثر اتهامه بالتجسس وهب
مجموعة من الكتاب والشخصيات
الفكرية والأدبية في فرنسا من
بينهم اميل زولا ومارسيل برست
وأناتول فرانس ..إلخ إلى إصدار
بيانهم الشهير الذي نشر في إحدى
الصحف وحمل لأول مرة اسم " بيان
المثقفين " وبالتالي اشتق هذا
الاسم الذي استعمل لأول مرة
للدلالة على الأشخاص " المشتغلين
بفكرهم لا بأيديهم في فرع مـن فروع
المعرفة ، الذين يحملون أراء خاصة
بهم حول الإنسان والمجتمع ويقفون
موقف الاحتجاج والتنديد إزاء مـا
يتعرض لـه الأفراد والجماعات مـن
ظلم وعسف من طرف السلطات أيا كانت
سياسية أو دينية " (1) . ومـن
حادثـة الضابط درايفوس الذي انتصر
لـه المثقفون وأجبروا السلطات علـى
إعـادة محاكمته وتبرئتـه اكتسبـت
لفظة " المثقف "معناها القوي
الذي أصبح وضعـه يتحـدد " لا بنوع
علاقته بالفكر والثقافة ، ولا
لكونه يكسب عيشه بالعمل بفكره وليس
بيده ، بل يتحدد وضعه بالدور الذي
يقوم به في المجتمع كمشرع ومعترض
ومبشر بمشروع ، أو على الأقل كصاحب
رأي وقضية " (2) بهذا المعنى يصبح
الفرد مثقفاً حين يتدخل في الشأن
العام ويسعى إلى نقده واتخاذ موقف
مستقل وشجاع حياله ولعل هذا الحس
النقدي الذي يتمتع به المثقف
وشجاعته في الإعلان عن رأيه النقدي
والدفاع عنه هي التي تعطيه أهليته
كصاحب دور نقدي مؤثر في المجتمع فهو
دائماً كما قال عنه إدوارد سعيد "
نوع من الذاكرة المضادة ، بخطابها
المضاد الذي لا يمكّن الضمير من غض
الطرف أو النوم " فجوهر وظيفة
المثقف تتحدد في كونه " ناقد
اجتماعي " بالدرجة الأولى كما
يقال . وبالمناسبة فمحمد عابد
الجابري يذهب إلى القول بأن ظهور
هذا المفهوم للمثقف في الحضارة
الغربية ساعدت عليه الثقافة
العربية الإسلامية التي نقلت
أوروبا من ظلمات الجهل إلى نور
العلم وأن المثقفين ظهروا أولاً في
الحضارة العربية الإسلامية معدداً
كل أصحاب الآراء والفرق والمتكلمين
والفلاسفة والعلماء والفقهاء
الذين انشغلوا بقضايا عامة ودافعوا
عنها في سجال ونقاش فكري عرفته
الثقافة العربية الإسلامية ، وأن
فئة المثقفين العرب والمسلمين
هؤلاء كان لها الفضل الأكبر في
إنتاج المثقفين في الحضارة الغربية
! .
إن
المثقف بهذا المعنى الواسع يشمل
الكتاب والصحفيين والأدباء
والفنانين وخطباء الجوامع
والسياسيين وأعضاء الأحزاب
الجمعيات والأندية والمؤسسات
الثقافية والاجتماعية والفنية وكل
صاحب وعي يدفعه للشعور بالتزام
تجاه أي قضية من القضايا في مجتمعه
والتعبير عن رأيه واتخاذ موقف معلن
إزاءها وهو بالتالي لا يستطيع
ممارسة دوره هذا إلا عبر قنوات
متاحة ومؤسسات فاعلة وفي وجود مناخ
لا يصادر حرية رأيه وفكره ولا يمارس
عليه اضطهاداً أو تعسفاً .
الآن
وبعد أن وفرنا هذه الأرضية أو هذا
الإطار المحدد يمكننا أن نترك
الكتب والمراجع جانباً وأن نلتفت
إلى واقعنا الثقافي العماني بحثاً
عـن هذا المثقف ، عن دوره وأثره ..
وسؤال الغياب ، أو هامشية الدور أو
ضآلته مطروح على الجميع ، والإجابة
ينبغي أن تكون مشتركة وغير نهائية
ودون أن تكون أحكام جامدة أو مبتسرة
، فنحن هنا لا نريد أن نلقي باللوم
على طرف بل نود التفكير في ظاهرة
لتحليلها والوصول إلى فهم أفضل لها
يحقق المصلحة العامة .
(1)
، (2) محمد عابد الجابري "
المثقفون في الحضارة العربية
الإسلامية حفريات استكشافية" :
المثقف العربي همومه وعطاؤه . مركز
دراسات الوحدة العربية . الطبعة
الأولى 1995م
"
إن هذا التفسير الرسمي يختلط في
النهاية بالحقيقة ، الكذبة العامة
الشاملة تبدأ بالسيطرة : الناس
يبدءون بالتآلف معها ، إن كل إنسان
، في مرحلة من مراحل حياته ، يأتلف
مـع الكذبة أو يتعايش معها . في مثل
هذه الظروف ، يكون التأكيد على
الحقيقة ، والتصرف بأصالة باختراق
نسيج الكذبات العام الشامل ، برغم
كل شيء ، بما في ذلك الخطر الذي يجد
فيه المرء نفسه في مواجهة العالم
كله ، عملاً ذا أهمية سياسية
استثنائية "
إذا
كان معنى المثقف بصورة عامة يتحـدد
مـن خلال دوره في المجتمع كفرد يعبر
عن رأي نقدي ومـوقف حر ومستقل ، فإن
البحث عن المثقف العماني في ضؤ هذا
التعريف قد
يقود إلى الشعور بغياب هذا المثقف
نظراً لهامشية دوره وأثره وهو ما
يستلزم بالضرورة الحفر في أسباب
المشكلة وتاريخها ومحاولة تحليل
العلاقة الملتبسة التي سادت بين
المثقف العماني والمؤسسة الرسمية
طوال العقود الماضية من أجل نقد
السلبيات وتوفير فهم أفضل ومناخ به
مساحة أكبر من الحرية تخرج المثقف
العماني من طور الكمون إلى طور
الوجود والتحقق حتى يستطيع أن
يمارس دوره ويكتسب فاعليته.
إن
ممارسة المثقف لدوره كما قلنا لا
تتم إلا من خلال قنوات ووسائل
ومؤسسات موجودة وفاعلة في المجتمع
وأيضاً في ظل تفهم لدور الثقافة
باعتبارها مرآة ناقدة غير متفقة
تماماً مع ما هو سائد وأحياناً
مختلفة وهذا يستتبع إفساح مجال
أكبر لحرية الصحافة والإعلام ووجود
مناخ يتقبل النقد والرأي الآخر
ووجود قوانين وتشريعات أكثر رحابة
واستنارة لكن الفهم الرسمي السائد
ظل ينظر إلى الثقافة لفترة طويلة
باعتبارها أداة ترويج وبهرجة
وبالتالي إقصاء الآراء الأخرى
وأصحابها وكثيراً ما اشتكى
المثقفون مثلاً مـن ضيق هامش
الحرية في الصحف ، واصطدامهم بمنع
مقالاتهم وكتاباتهم وأحياناً
إنتاجهم الأدبي أو الشكوى من
الطابع الشكلي والروتيني الذي يسم
أداء بعض المؤسسات الثقافية
الموجودة وابتعادها عن أي نشاط
ثقافي حقيقي وافتقارها لمشروع
ثقافي نهضوي متكامل وهم بهذا
يعللون أسباب عزلتهم وانسحابهم من
الساحة الثقافية العامة وعدم
رغبتهم في الحضور والإسهام
والتواصل لأن الوضع العام مثير
للإحباط كما يذهبون وبالمقابل ظل
الاتجاه العام والسائد ينظر بريبة
وتخوف من أي طرح نقدي جاد محاولاً
تكريس رأي واحد ورؤية واحدة
للحقيقة مما عطل الثقافة وألغى دور
المثقف لفترة طويلة وأدى إلى غياب
الحوار والنقاش العلني بين كافة
الفئات والأطياف بل وأسهم في
استفحال الكثير من المشكلات
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
والثقافية ، عموماً فلا شيء يمكن أن
يعالج إن لم يفهم على نحو صحيح
والمثقفون مهما اختلفت أراءهـم
وتعـددت عن الاتجاه السائد فإنها
تعبر عن حالة صحية موجودة في
المجتمع .
إن
سيادة الرأي الواحد تحول المجتمع
إلى بحيرة راكدة مصيرها الفساد
والتحلل أما التعددية في الآراء
والطروحات فإنها تجعل منه أشبه
بالنهر الجاري الذي يتجدد باستمرار
كما أن الإصلاح لا يتم إلا بوجود
مرآة ناقدة يبصر في صفحاتها الفرد
أو المؤسسة أداءه ويعدله باستمرار
وهذا هو الدور الذي ينبغي أن تقوم
به الثقافة والمثقفين تحديداً .
إن
النقطة الجديرة بالنظر والاعتبار
عند البحث عن دور للمثقف هو أن هذا
الدور ليس هبة أو منحة تقدمها له أي
جهة من الجهات بل نتيجة وعي وقناعة
وقيم أخلاقية تدفعه لأن يمارس هذا
الدور كما أن أي جهة لا تستطيع أن
تخلق الحرية من العدم فالحرية
والأدوار تتخلق ضمن سياقات
وتفاعلات طويلة وعديدة واسهام
جماعي عام يتراكم على مدى زمني قد
يطول نسبياً ، ودور المثقف الدائم
هو أن يوسع هامش الحرية باستمرار
مهما بدت الطرق مسدودة .
أخيراً
فإن الملاحظ أن هنالك هامش من
الحرية بدأ يتخلق نتيجة لظروف
وأسباب عديدة فالصحف المحلية بدأت
تتعامل بشيء من الرحابة مع الآراء
المختلفة وتفرد لها مساحات على
صفحاتها وكذلك حرية النقاش
والتعبير وأيضاً النقد إضافة إلى
أن المؤسسات الثقافية موجودة وتشكو
في أحيان كثيرة من غياب المثقف وعدم
مبادرته وهي أشياء ينبغي أن
يلتقطها المثقفون وينتبهوا لها وأن
يحاولوا الإسهام ضمن القنوات
المتاحة وتوسيع الهامش باستمرار
فالغياب قد يفسح المجال لمزيفي
الوعي ومختلقي الثقافة .
متأثراً
بما صاحب فترة السبعينات من اضطراب
وقلق
والسؤال
الجدير بالطرح هو هل ياترى
المثقفون غائبون حقاً أم مغيبين ؟
وهل الوضع يعبر
عن أزمة ثقافة أم أزمة المثقفين
.؟.
ما
أهمية الحديث عن الثقافة والمثقفين
العمانيين ؟
.. لا نريد أن ننجر إلى هذا
الحديث الطويل والممل ربما
فموضوعنا هو المثقف العماني وعلينا
أن ننظر إليه ضمن واقعه الاجتماعي
وأن نفكر في الدور المفترض أن يقوم
به هذا المثقف العماني والذي قلنا
أنه اكتسب صفة المثقف من كونه صاحب
أراء واتجاهات معلنة ويسعى إلى
طرحها للنقاش والتفاعل مع كل قضايا
المجتمع وهو بهذا يشمل خطيب الجامع
والصحفي والكاتب والأديب والسياسي
وأعضاء الجمعيات الاجتماعية
والفنية التي تتوجه للمجتمع وتسعى
للتأثير فيه وكل صاحب وعي يحمله
وعيه على الشعور بالتزام تجاه أي
قضية من القضايا في مجتمعه ويدفعه
للتحرك واتخاذ موقف معلن إزاءها إن
هذا الموقف النقدي الحر والمعلن هو
الذي يميز المثقف عن غيره ويعطيه
أحقيته ومشروعيته .
هل
يا ترى المسألة هي أزمة مثقفين أم
أزمة ثقافة ؟.. وهـل يا ترى المثقفون
غائبون أم مغيبون ؟.. لا شك أن هنالك
الكثير من المثقفين ممن يشكون من
الرقابة على الصحف ، واصطدامهم
بمنع مقالاتهم وإنتاجهم الأدبي أو
لعدم وجود رغبة صادقة في التشجيع أو
التأسيس لأنشطة وفعاليات ثقافية
حقيقية كما يقولون ، وطابع التزييف
والتلفيق الذي يقوده بعض المثقفين
المرتزقة كما يسمونهم ، وهم بهذا
يعللون أسباب عزلتهم وانسحابهم من
النشاط الثقافي وعدم رغبتهم في
الإسهام بالحضور والتواصل بل إن
البعض من يعلق أسباب فشله ونضوب
ينابيع إبداعه القديمة وحالة
الإحباط والشعور باللاجدوى
والرغبة بتدمير الذات إلى هذه
الحالة العامة السائدة
|