قـراءة
في عمل
دياز بيام
بعد
أن سلم
الكاتب
العماني
حسين
العبري
عمله
الأول "
دياز بيام
" إلى
النشر ،
وتم طبعه
على أنه "
رواية "
أصبح
محالاً
إلى
القراء ،
الذين
تتعدد
بالضرورة
أراءهم
وانطباعاتهم
حول
الأعمال
الفنية
باختلاف
الأذواق
والأمزجة
، وتنوع
الاتجاهات
والمشارب
، وتباين
المفاهيم
حـول أي
عمل
إبداعي ،
وقد تنبـه
حسين
العبري
مبكراً
لهذه
الحقيقـة
حين قال : "
وأنا
عندما
قررت نشر
العمل
أصبحت
متيقناً
أنه خرج من
يدي . وصار
ملكاً
للقارئ
والناقد ،
ليقل فيه
ما يشاء
لأني في
النهاية
سأستفيـد
من آراء
الآخرين ،
لكنـها لن
تفيدني في
عمل آخر " ( 1 ) .
وبهذا
يصبح
المجال
مفتوحاً
للتعبير
عن الآراء
،
وإمكانية
تقبلها
مهما كانت
قاسيـة ،
لأنها
موجهـة
للعمل
وليس لذات
الكاتب ،
التي نكن
لهـا كل
التقدير
والاحترام
، والعمل
الناجح
والمتميز
في
النهاية
قادر على
الدفاع عن
نفسه مهما
قيل عنه من
قبل
القراء
والنقاد
الذين
تتسم
أحكامهم
أحياناً
بالسطحية
، ولا
تستطيع
اكتشاف
أعماق
النصوص
وجواهرها
المضيئة ،
ولا شك أن
الكاتب
حسين
العبري
لديه
الموهبة
كما يتضح
في سياق
العمل ،
كما أن
عمله به
آراء
نافذة
للذات
والمجتمع
، وتدل على
اطلاع
وقدرة على
تكوين
رؤية
فردية ،
وبالتالي
كان يمكن
لعمله أن
يكون أكثر
غنى
واكتمالاً
من
الناحية
الفنية لو
حظي
بالعناية
والاهتمام
التي
يستحقها
إلا إن
الكاتب
سلم عمله
للناشر ـ
كما قال ـ
على أنه
قصة طويلة
لكن
الأخير
حولها إلى
رواية ،
ونستطيع
القول
وفقاً
لهذا أن لو
وضع
الكاتب في
اعتباره
مشروع
إنجاز
رواية
لكان أكثر
تريثاً ،
ولخرج
العمل
ربما بشكل
أفضل ،
وبالتالي
فبما أن "
دياز بيام
" تطرح
نفسها على
أنها
رواية
فسيتم
التعامل
معها على
هذا
الأساس ،
وهذه
القراءة
ستقتصر
فقط على
محاولة
النظر في
البناء
الفني
لهذا
العمل .
ما
هو ملاحظ
بعد
القراءة
هو أن "
دياز بيام
" تقدم
نفسها على
أنها
رواية في
حين أنها
تفتقر
لمجمل
شروط
وعناصر
العمل
الروائي ،
من أحداث ،
وشخصيات ،
وأفعال
تقوم بها
هذه
الشخصيات
، وبناء
فني ، وزمن
متحرك ،
ومكان له
فرادة ،
وأسلـوب
سردي
متميز ،
فهي بصور
إجمالية
عبارة عن
تكديس
لأوصاف
وخواطر
وانطباعات
وأراء
شخصية دون
أن تكون
هنالك
لحمة فنية
تدمجها في
سياق قصصي
أو سردي ،
وهذا ما
جعل العمل
غير قادر
على تحقيق
أدنى متعة
ممكنة
للقارئ .
وبغض
النظر عما
إذا كان
للآراء
والانطباعات
الواردة
في العمل
من قيمة
معرفية أو
تحليلية
للواقع
الثقافي
والاجتماعي
العماني
كما أشار
الكاتب في
لقاء أجري
معه ( 1 ) ، أو
كما ذهبت
قراءة
نقدية
كتبت عن
هذا
الموضوع
( 2 ) لأن هذه
قضية أخرى
فأي كتابة
هي في
النهاية
انعكاس
للواقع
السيكلوجي
للكاتب ،
وللبنية
الاجتماعية
والسياسية
التي يعيش
فيها ،
وبالتالي
يمكن عند
تشريحها
وحفرها
معرفياً
استخراج
كم هائل من
الدلالات
المعلنة
أو
المسكوت
عنها أو
حتى
المتسترة
بخفاء تحت
طبقات
اللاوعي ،
إلا أن
المأزق
الكبير
لعمل "
دياز بيام
" المصدر
على أنه
رواية ، هو
أنه يراكم
علينا
الأوصاف
والتعليقات
والجمل
والحواشي
والانطباعات
والخواطر
دون يشيّد
أو يقيم
بها أي
بناء
روائي
ينهض
ويتعالى ،
وتتكامل
معالمه.
إن
أحد
الاختبارات
التي يمكن
أن يقاس
بها مدى
تماسك
وترابط
أجزاء أي
عمل فني هي
مدى
إمكانية
الحذف منه
دون
التسبب
بخلل أو
تأثير في
البناء
العام أو
في فهم
الأحداث
فإذا أمكن
حذف صفحات
دون أن
يحدث
تأثير في
مجمل
العمل
الفني
اعتبرت
هذه
الصفحات
فائضة
ينبغي
الاستغناء
عنها فإذا
حاولنا أن
نطبق هذا
الاختبـار
على " دياز
بيام "
اكتشفنا
أنه يمكن
حذف ( 80 ) صفحة
أو أكثر من
هذا العمل
الذي يصل
إلى (94 ) صفحة
دون أن
يختل أي شي
في سياق
العمل .
إن
الرواية
هي الفن
الوحيد
الذي لا
يحتمل
الثرثرة
كما يذهب
الناقد
شاكر
النابلسي
ويبدو أن
هذه
الحقيقة
كانت
غائبة عن
الكاتب
لذا يطلق
لنفسه
العنان في
التعبير
عن أراءه
وانطباعاته
،
وانفعالاته
، وأفكاره
التي كان
يمكن
جمعها
كلها في
خاطرة أو
مقالة تقع
فيما يسمى
بالاعتراف
الذاتي أو
التعبير
الوجـداني
، أمـا إذا
شئنا
إدماجـها
ضمن بناء
روائي ،
فينبغي أن
تأتي كل
هذه
الآراء
والأفكار
عبر تدافع
الأحداث
وتصاعد
الشخصيات
وتقاطعها
مع بعضها
البعض وأن
يكون كل
رأي
ممثلاً
للشخصية
التي
تتبناه
وتدافع
عنه .
"
الأحداث
الروائية !
"
يقول
الناقد
الدكتور
خليل
الشيخ عن
عمل دياز
بيام : " ومن
ناحية
السرد ،
فالرواية
تنتمي إلى
ما يسمى
بالسرد "
المتزامن
" وهو سرد
يلجأ إليه
الخطاب
القصصي
للإيهام
بتزامنية
الحدث ،
حيث تبدو
الأحداث
وعملية
السرد
وكأنهما
عمليتان
متزامنتان
"(3) .
وبعيداً
عن
انتماءها
أو لا
انتماءها
لـ " السرد
المتزامن
" كما
يقـول
الدكتور
خليل
الشيخ ،
يظل
السؤال
الحقيقي
الذي
ينبغي أن
يطرح
أصلاً هو
أين هي
الأحداث
في هذا
العمل
الذي هو
عبارة عن
كم كبير من
الأوصاف
عن
الشخصية
وعن
أراءها
وتفتقر
كلياً إلى
ما يشير
إليه
الدكتور
خليل بـ "
الأحداث "
، فالعمل
يبدأ
بشخصية
تشاهد
الناس من
مكانها في
مئذنة
المسجد ،
تنزل إلى
الأرض ،
وترى
الناس وهي
تسلم على
بعضها
البعض ،
تعود إلى
منزلها ،
تلقي
بالسلام
على
والدها ،
تستلقي
على
السرير ،
وتراقب
حركة
العنكبوت
في الحجرة
، ثم تقوم
إلى دورة
المياه ،
وترى
صورتها في
المرآة ،
تعود إلى
الحجرة ،
وتقرأ
قصاصات
أورق
تتضمن
خواطر
كتبتها في
أوقات
متفرقة ،
وتعبر عن
حالته
الانفعالية
، ثم تعود
إلى
السرير ،
وفي
النهاية
تقوم بقتل
العنكبوت
بلوح خشبي
، وأخيراً
تتخيل
نفسها أو
تقوم
فعلياً
بالإمساك
بسكين
والذهاب
إلى حجرته (
ربما حجرة
الأب ) فيره
متكوماً
في فراشه ،
فينقض على
كومة
الفراش
طعناً
بالسكين ،
دون أن
يدري إن
كان تحتها
أم لا ،
وأخيراً
يساق إلى
مستشفى
للمجانين
، ويكتب
الدكتـور
ورقة
بيضاء : plan
:diazepam5mg ))
وهي
الكلمة
الأخيرة
في العمل ،
وكأنها
محشورة
عمداً كي
تقول لنا
السر في
تسمية "
الرواية "
بهذا
الاسم .
فكما هو
واضح ليس
هنالك ما
يمكن أن
يطلق عليه
" أحداث "
فعدا عن
حـدث ـ إن
صـح أن
يطلق عليه
حـدث ـ قتل
العنكبوت
، وطعن
كومة
الفراش
بسكين ، لا
توجد سوى
الأوصاف
التجريدية
للشخصية
وأراءها
ونظرتها
لذاتها
وللحياة ،
وليس
هنالك
تفاعل بين
الحدث
والشخصية
، تنمو من
خلاله
وتتضح
كينونتها
، وغني عن
القول أن
معمار
السرد
الروائي
ينبغي أن
يقام على
أحداث
وصراعات
تنمو
وتتدافع ،
ومعها
تتدافع
الشخصيات
تنمو
وتبرز
تناقضاتها
وأفكارها
ومعاناتها
وأحلامها
، أما أن
يقتصر
السرد على
أوصاف
للشخصية
ولآرائها
وثقافتها
ونظرتها
للحياة
دون أدنى
فعل أو حدث
نامي ،
فعندها
يفقد
العمل أهم
شيء يمكن
أن يعطيه
الحـق في
اكتساب
صفـة
الرواية ،
فالحدث هو
صلب أي
عمـل سردي
، ففي
البدء كان
الفعل ثم
جاءت
الكلمة
لتعبر عنه
ـ كما يقال
ـ ومن
البدهي
القول أن
لا رواية
توجد بدون
أحداث
وبدون
أفعال
تقوم بها
الشخصيات
، وحقيقة
إن
محدودية
الأفعال
وغياب
الأحداث
في عمل "
دياز بيام
" لهو أمر
مثير
للدهشة
والاستغراب
فما يمكن
أن يطلق
عليه بـ "
الفعل
الروائي "
في هذا
العمل
يكاد يمكن
حصره في
مجموعة
قليلة
جداً من
الحركات
والأفعال
التي تقوم
بها
الشخصية
والعنكبوت
الموجودة
في الغرفة
ويمكن
رصدها على
النحو
التالي : "
نظر إليهم
بذات
التوتر " ص 7
، " ألقى
آنذاك
بالكتاب
الذي كان
حتى ذلك
الحين
ملصوقاً
في إبطه .." ص8
، " ونظر
نظرة في
السماء ..
وانبست
شفتاه
آنذاك
بغرابة
طفل "
لسماء ". "ص8
، " اثاقل
إلى الأرض
حين
ارتطمت
رجله بها ..
وسرى تيار
الألم من
الأرض
إليه .. " ص8 ،
" نظر إلى
الخلف ،
ورأى
آثاره
المتبقية
على الرمل ..
" ص9 ، " مط
شفتيه
بقسوة
وغضن
رقبته
ومضى في
طريقه بلا
اكتراث .." ص9
، " وفي
الساحة
كانت
الناس
تتقاطر ،
وتتقاطع ،
ويقف
الجمع
للحظات
ليسمح
لاثنين
بالتحية ..وتمتد
الأيدي
وتتصافح
بحرارة
بعضها جاد.
ويبدأ
طابور
السيارات
بالحركة ،
وتشق
أصوات
المنبهات
السماء
كعواء ،
ويتمزق
الجمع ،
ويتحد ،
ليعاود
التمزق من
جديد ،
ويحك ولد
أنفه وهو
يلتفت ،
ويصلح
كمته .
وبذات
الوقت ،
تتهادى
سحابة،
وثانية ،
وتنضمان
إلى كومة
السحب على
قمة الجبل
، وتنفح
المكان
هبة هواء
ساخنة ،
ويسمع من
على بعـد
اصطفاق
أبـواب ،
وتدحرج
علب فارقة
، وتندس
بين
أصابعه
حبات رمل
فيزيلها
بسرعة ،
وعندها
فقط يبدأ
بالإحساس
بالمكان ."
ص10 ، " ويمر
بصف
الأشجار
الذي
يفصله عن
منزله .. "ص18،
" وتتماوج
يداه
باستقامـة
.." ص19 ، " غـذ
من خطواته
مسرعاً
إلى البيت
"ص19، "
وألقى
والده
السلام
عليه .." ص20 ،
و" ولم
يحرك هو
شفتيه .. " ص20
، " وتمتم
الأب
بكلمات " ص20،
" وألقى
بجسده على
لسرير ،
وحاول
إلقاء
نفسه خارج
الباب ،
وتطاير
زغب
الفراش
على شعاع
الضؤ
الأصيلي ،
أسلمت
عيناه
القياد
للأشياء
داخل
الحجرة
" ص23 ، "
وتحرك
العنكبوت
المسن .. " ص25،
" وندت
حركة
منظمة
وقصيرة
على
العنكبوت
، ثم ما لبث
أن توقف " ص26
، " وحرك هو
أصابع
رجليه
تناغماً ،
ثم ركنت
إلى
السكون
بعد لحظات
من القصور
الذاتي ،
ومن ثم
انداح
تيـار
الضعـف
داخلـه
بقوة ماء
محبوس" ص27 ،
" وتحرك
العنكبوت
حركته
المنتظمة
والموجهة
واستقر في
موضعه
الأول ،
واهتزت
شبكته
قليلاً " ص32
، " ونظر
آنذاك إلى
الصورة .. "ص34
، " وعنت
لـه آنذاك
فكرة ،
فانتشل
رجليه
وتوكأ
يديه .. " ص35 ،
" وأخرج
رزم
الأوراق
وأخذ
يقلبها " ص35
، " وجللت
عينيـه
سحابة
الحزن
الأبديـة
، وقرأ وهو
بين
الضبابية
والألم " ص35
، وفي
الصفحة ( 36 )
تقرأ
الشخصية
قصاصة
الورق
التي
كتبتها في
فترة ما من
حياتها :
وهي عبارة
عن خاطرة
تأتي
بضمير
المتكلم
وتعبر
فيها عن
حالتها
الانفعاليـة
حيث تستمر
حتى
الصفحة ( 42 )
دون أن
تدفع
بالسرد
إلى
الأمام ،
وفي
الصفحة ( 46 )
نتابع : "
وانقلب
إلى جانبه
الآخر ،
واتكأ على
كوعه
الأيسر ،
ورمى
بلفافة
الأوراق .
واندست
يـده مرة
أخرى في
الكومة
التي
أمامه ،
وأخرج
لفافة
أخرى ،
وغام في
الضباب .. " ،
وبعدها
تفتح
الشخصية
قصاصة
أوراق
أخرى : وهي
أيضاً
تعبير عن
آراء
وأفكار
وخـواطـر
وانفعالات
وتمتـد
حتى
الصفحة ( 52 )
وهي تصبح
وسيلة
للتعرف
على
الحالة
التي
تعيشها
الشخصية
باعتبارها
محرومة من
التواصل
مع
الآخرين ،
وبعدها
نتابع : "
واعتـدل
وهـو يرمي
بلفافة
الأوراق ،
وقام وسار
بمشية
متكاسلة
ودخل
الحمام
فواجهته
المرآة
بكيانها
الصقيل
الأملس .
ونظر إليه ..
" ص58 ، "
وفجأة
اختفى كل
شيء : الوجه
، الزيف ،
والكلمات
وتراجعت
الصور .. " ص61
، "
وتلاحقت
صور باهرة
لأفكار
وكلمات ،
وبدت
كأنها
تنقذف من
المرآة .. " ص61
، " كانت
الدموع
تتقاطر
دمعة دمعة ..
" ص62 ،
"وانسحب
من موقعه ،
وانسكب
جسده
متكوماً
على سريره
، ودس رأسه
عبر
تلافيف
الغطاء ،
وتدثر ،
وأخذه
البكاء . " ص63
،" تعالى
صوت
المؤذن
لصلاة
العصر ،
ففتح
عينيه على
العنكبوت
الساكن " ص63
، وبعد ذلك
من ص67 وحتى
ص79 يتحول
السرد من
ضمير
الغائب
إلى ضمير
المتكلم ،
ولا ندري
ربما هي
أيضاً
قصاصة
أوراق
أخرى ، وهي
عبارة عن
خواطر
انفعالية
،
واعترافات
ذاتية ،
ومحاولـة
لفهم
الذات
وتحليلها
، وبعد ذلك
تصل
الأفعال
إلى
نهايتها : "
وتفحصت
المكان
بنظرة
يائسة
أكثر منها
حزينة .." ص81
، " فالعنكبوت
كان يمد
أرجلـه في
ملكوته
الواسع .."ص82
، " لقد غير
العنكبوت
مكانه
أخيراً ،
وانزاح
قليلاً عن
شبكته ،
وهاهو
يتنزل من
علياء
زاويته ،
بعيداً عن
مملكة
غباره . لقد
تجاوز
الخط
الفاصل
بين عالمه
وعالمنا .."
ص88 ، "وتجاوزت
ذاتي
المنهكة ،
وزلقت
كامـل
قـوتي على
لـوح الحق
، وانقضضت
بـه على
الكائن
الأعزل
" ص89 ، " ، "
وانبثقت
آنذاك
الرغبة
الدفينة
داخلي .. " ص90
، وفي
نهاية
الصفحة (91 )
أي قبل
الصفحة
الأخيرة
بثلاث
صفحات
يبدأ ربما
الحدث
الرئيسي
حين تقوم
الشخصية ـ
أو تتخيل
أنها تقوم
ـ بسلسلة
من
الأفعال
لقتل الأب
لينتهي
العمل في
الصفحة ( 94 )
باقتياد
الشخصية
إلى
المستشفى ..
هذه هي
تقريباً
مجموعة
الحركات
والأفعال
السردية
الواردة
في العمل ،
وقد يبرر
الكاتب
قلة أفعال
الشخصية ،
والسكون
الثقيل
الذي يملأ
العمل
بأنه أراد
للشخصية
أن تكون
مشلولة
كتمثيل
لحالة
المثقف ..
إلخ ،
إلا أن
الأعمال
كما هو
معروف
ليست
بالنيات
في
الأعمال
الفنية .
أيضاً
ثمة ما
يمكن أن
يقال هنا
وهو أنه
إذا كانت
أي رواية
تعكس
واقعها
الاجتماعي
والسياسي ..الخ
، وإذا
رأينا
ركود
الفعل
وركود
الحدث في
عمل " دياز
بيام "
الذي كان
اقرب إلى
بحيرة
راكدة منه
إلى نهر
جاري ، فلا
شك أن في
ذلك ما
يمكن أن
يشير إلى
واقع
خارجي
راكد من
حيث الفعل
والحدث ،
ولهذا فإن
الروايات
العظيمة
لا تنشأ
إلا في
صراعات
وتوترات
عظيمة
وعنيفة
تجري في
الواقع أو
في النفس
الإنسانية
،"ودياز
بيام"
تصطنع
التوترات
والصراعات
لأن ليس
ثمة أحداث
تنتجها
وتدفعها
للتأزم .
ـ
"
الشخصيات !
" ـ
لا
يمكن أن
توجد
أبداً
شخصيات
بدون
أفعال
قامت أو
تقوم بها ،
وبدون
أحداث
تتفاعل
معها ، إن
الفعل هو
الذي يفضح
الشخصية
ويكشفها ،
وينير
جوانبها
المختلفة
وأعماقها
الداخلية
، فالفعل
هو المرآة
التي ترى
فيها
الشخصية
نفسها
وتنمو من
خلاله
بشكل
مفاجئ
أحياناً
حتى
للكاتب
نفسه ، أما
عندما
تفتقد
المحاولة
الروائية
للأحداث
ولا تقوم
شخصياتها
بأية
أفعال فهي
تفتقد
أبرز
السمات
التي
تعطيها
الأحقية
في اكتساب
صفة
الرواية ،
وافتقار "
دياز بيام
" للأحداث
انعكس
سلباً
بشكل كبير
على مختلف
عناصر
العمل
الفني ومن
بينها
الشخصيات
، إن غياب
الأحداث ،
والسكونية
في الفعل
أدى
بالضرورة
إلى غياب
الشخصيات
أو خنقها
قبل أن
تولد ،
وباستثناء
شخصية
الأب
الباهتة
التي لا
يرد ذكرها
ـ كإشارة
لوجودها ـ
سوى ثلاث
مرات طوال
العمل (ص20 ،
ص73 ، ص93) لا
توجد سوى
الشخصية
الرئيسية
والمحورية
والتي
كانت أقرب
للجثة
المسجاة
على
طاولـة
التشريح ،
تاركـة
للطبيب
حريـة
العبث بها
والحديث
عنها
لطلابه ،
دون أن
تبدي هي
أدنى حركة
تدل على
سريان
الحياة
داخلها ،
إنها ليست
شخصية حية
فضلاً عن
كونها
مستقلة ،
تتصاعد
وتنمو
وتأخذ
مسارها
الخاص ،
وتعبر عن
صوتها
الأليف
والمميز
كما يفترض
أن يكون ،
وإنما هي
أقرب
لموضوع
يمارس من
خلاله
الكاتب
إسقاطاته
، ويستعرض
معلوماته
وثقافته
الواسعة ،
والتي تدل
عليها حشو
الأسماء
من
المفكرين
والروائيين
داخل
العمل ،
فالشخصية
ليست سوى
قناع أو
ذريعة
مفتعلة
ليقول
الكاتب كل
أراءه
وأفكاره ،
ويعبر عن
انفعالاته
، ويستعرض
ثقافته
على حساب
النواحي
الفنية
الغائبة
عن هذا
العمل .
كل
ما نعرفه
عن شخصية
الأب
يأتينا
عبر
السارد
الذي
يتولى
طوال
العمل حق
التقرير
والتصنيف
وإطلاق
الأحكام
والصفات ،
فأول لقاء
لنا مع
الأب يأتي
في ص20 : "
وألقى
والده
السلام
عليه
بطريقته
ذات
الزوايا ،
وكأنه يهم
بالخروج .
وكان
حاملاً
عصاه ، وقد
تكوم مصره
الأبيض
على رأسه .
وتشابك
زغب طرفه
بلحيته
النافرة
ففرق
جانبها
إلى نصفين .
ولم يحرك
هو شفتيه ،
ولم يكن قد
سمعه ، إلا
أنه خمن ما
يقول ،
فردود
أفعال
والده
قابلة
للتنبؤ .."
وفعلاً
لا يحرك
الأب
شفتيه
لينطق
بكلمة كما
أراد
السارد
حتى (ص 73) حيث
ترد إشارة
له " فقد
حصل مثلاً
أن كنت أنا
وأبي
واقفين
ومر في
الجوار
رجل .. " وفي (ص93)
ترد إشارة
أخرى
واضحة إلى
هذا
الوالد "
ووجدتني
داخل
سيارة
صغيرة ،
ووالدي
يشد على
ساعدي "
وواضح أن
السارد لا
يعطينا
الحالة
الخاصة
للشخصية
أو البصمة
المختلفة
والمتفردة
سواء
أكانت
خارجية
كالملامح
أو داخلية
سيكلوجية
، وهكذا
فإن شخصية
الأب لا
تتجلى عبر
الحدث ،
وإنما
يتدخل
السارد
ليعلن عن
نفسه
وصياً
عليها ،
لذا يطلق
عليها
توصيفات
أبدية غير
قابلة
للشك "
وكان
والده
شديد
التعقل ،
ولا يرى
أبعد من
أنفه ،
وطيباً
إلى حد
البكاء ،
ومواطناً
صالحاً
بشهادة
شرطة
المرور ،
ومنحنياً
للسلطة
ككل
مواطنينا
، وكان .. ،
وكان .. ،
وكان .. " ص21
وباستثناء
هذه
الصفات
المسبغة
على الأب
لا يتاح
لنا نحن
القراء
المساكين
أن نشاهد
أية فعل
يقوم به
هذا الأب
لنتأكد من
صحة
الصفات
الواردة ،
وعلينا أن
نصدق
السارد
الذي يعرف
كل شيء
لأنه " هو
وحده من
رأى " ، ومن
الممكن
القول أنه
لو لم ترد
هذه
الصفات عن
الأب أو لو
تم وضـع
صفات
مناقضـة
لما اختل
شيء في
مجمل
العمل !.
أما
الشخصية
الرئسية
فهي
متضخمة ،
متعالية ،
ولا
إنسانية ،
إنها ناتج
حشو
الأوصاف
الكبيرة
والمبالغ
فيها ،
وإسباغ
المزايا
والصفات
عليها من
قبل
السارد "
ولما كان
حساساً ،
وعاشقاً
للحرية ،
ولا
يستطيع أن
يكون حي بن
يقظان ،
ولا حتى
أبا
العلاء
المعري .. " ص14
" وكونه
منفتحاً ،
وواسع
الرؤية .. " ص21
، " إنه
يدرك أنه
يكتب لعصر
آخر .." ص42
وتتابع
أوصاف
الشخصية
وتتوزع
آراءها
الجامعة
المانعة
في الكون
والسياسة
والإدارة
والصحافة
والأدب
والأدباء
والمجتمع
والتاريخ
التي
تتكدس على
بعضها
البعض دون
أن ينبئ
السرد
بتباشير
حدث ما
سيقع .. إن
السارد
الذي
يتخفى
بقناع
الشخصية
هو ذات
متعالية
تفرض
هيمنتها
على
الشخصية
وتصادر
حقها في
الوجود ،
ويتحول هو
إلى ناطق
بلسانها ،
وهو عندما
يكيل لها
المدائح
المجانية
يشعر
بسعادة
خفية لأنه
يعلم أن
الشخصية
ليست سوى
ذاته
الحقيقية
، وعندما
يحلل
أزمتها
يشعر أن
ذلك تنفيس
عن ذاته هو
، إن ذات
السارد
المتعالية
مصابة
بوهم
القبض على
الحقيقة
الوحيدة ،
ولهذا فهي
توزع
نظرياتها
وأحكامها
وأراءها
التي
تحتقر
الآخر ،
لترتفع هي
إلى
الحضرة
العلية ،
مطمئنة
إلى أنها
وحدها من
رأت كل شيء
وعرفته في
حين يغرق
الآخرين
في ظلام
الجهل ،
ولهذا فهي
توزع
أحكامها
الحاسمة ،
فتهب لمن
تشاء
المباركة
، وتسخط
على من
تشاء ،
وتحتقر من
تشاء ،
وتقدر من
تشاء ، ولا
يهم من
كانت
تباركه أو
تحتقره ،
فكلما كان
عظيماً
كلما لذ
لها إطلاق
الأحكام ،
وارتفعت
هي على
الأكتاف
العظيمة "
ولعله
لهذا كان
يقّدر
ديستيكوفسكي
(
ديستويفسكي
) وجوركي ،
ويحتقر
تولستوي
وموباسان
وفلوبير
ومحفـوظ ،
وينزع إلى
عـدم
الإعتراف
بجيمس
جويس
والدوس
هكسلي
وماركيز ،
ويحيره
البير
كامي
وهمنجواي
،ويصيبه
بالغثيان
كونديـرا
ومورافيا .
لقـد كان
ديستيكوفسكي
(
ديستويفسكي
) يكتب
ليعيش ،
وهذا ما
يجعل
لكتابته
معنى أما
الآخرون
فيبدو
أنهم
يتسلون .
وعموماً
فهو لا
يكرههم ،
لكنهم في
النهاية
مظلومون .."
ص 43. وهكذا
يأخذ
الأدب
مساراً
جديداً
بعد هذه
الآراء
الحاسمة
التي
تطلقها
الذات
المتعالية
، لتصبح هي
الأعلى ،
فمن يطلق
الأحكام ،
ومن يحتقر
ولا يعترف
، ومن يقدر
ويبارك هو
أعلى
مرتبة
بالتأكيد
من
المحكوم
عليه
والمبارك
من قبل من
أوتي
لوحده
جوامع
المعرفة
الحقة . إن
تعالي
الذات قد
يكون
نتيجة
لشحنات
تعويضية
تمارسها
ذات
مطمورة في
اللاوعي
فتتبدى
ظاهرياً
وسطحياً
بأنها
متعالية
في حين
أنها
تمارس
تعويضاً
عن شعورها
بالانسحاق
، وهذا ما
يفسر ظهور
الذات
أحياناً
بمظهر
انسحاقي
مازوشي
يرغب في
تقريع
الذات
وشتمها
وإنزال
أقسى
الصفات
بها ..
وأحياناً
بمظهر
متعالي ..
والتذبذب
بين هذين
الطرفين ..
وهكذا
يخبرنا
السارد عن
الشخصية
أنها تحب
كذا وكذا
ولا تحب
كذا وكذا
ولا شيء
آخر نعرفه
عن
الشخصية
سوى " أنه
يرى .. أنه
يؤمن .. أنه ..إلخ
، ولدت
الشخصية
ميتة ،
وقبرت في
مكان ما ،
ولم يتبقى
سوى
الخواء .
ـ
إعتام
المكان ـ
أما
المكان في
" دياز
بيام " فهو
بصورة
عامة غائب
، معتم ،
وليست
هنالك سوى
أشياء
بسيطة
متناثرة
ترد هنا
وهناك :
مئذنة ،
مسجد ،
ساحة ، ،
طرق
ملتوية ،
أروقة
ضيقة ،
جدران ،
غرفة ، بيت
، باب ،
حمام ،
سرير ..إلخ
وبالتأكيد
أن ليس ثمة
شيء يدل
على أن
المكان
عماني ،
ففي بلدان
كثيرة
توجد غرف
وجدران
وطرق
وساحات
وأبواب
ومآذن ،
أما
الشخصية
التي
يتحدث
عنها
السارد
فلا شيء
يدل على
أنها
عمانية
سوى
دشداشتها
ومصرها
حيث وفق
السارد في
ذكرهما
وإلا
لالتبست
علينا ولن
نعرف
مشرقها من
مغربها
سوى بالظن
اعتمادا
على أن
كاتب
العمل
عماني وما
يساند هذا
الاحتمال
هو أن
السارد
يتحدث عن
سأم
الشخصية
وقرفها من
الأدب
عموماً
ومن الأدب
العماني
خصوصاً ،
إذاً فقد
تكون
الشخصية
عمانية ! .
أما
الزمن في
هذا العمل
فهو ساكن ،
ثقيل ،
ثابت ، لا
يتزحزح ،
لأن ليس
ثمة أفعال
أو حركة
دينامية
أو في هذا
العمل .
ـ
ترهل
السرد ـ
لغـة
السرد كان
ينبغي أن
تحظى
بعنايـة
أكبر ، وان
تتخلص من
الترهل في
الجمل ،
والعبارات
النمطية ،
ومحاولة
لي عنق
الكلمات
وتعسيرها
على
القاري ،
وعدم
إحكام
التعبير
عن المعنى
في بعض
الأحيان ،
وهنالك
الكثير من
الجمل
التي كانت
تحتاج إلى
إعادة
صياغة ،
وكان
ينبغي
الاشتغال
عليها كما
يفعل كبار
الكتاب
دائماً
الذين
ينقحون
كتاباتهم
ويعيدون
الكتابة
باستمرار
،
لإيقانهم
بأهمية
بذل الجهد
الكبير في
هـذا
المجال
،كما أن
فعل" كان "
يتكرر
كثيراً
وبصورة لا
يمكن
احتمالها
في أي نص
سردي .
وأخيراً
نتمنى في
النهاية
أن تكون
هنالك
دائماً
فترة
إعداد
وتحضير
كافي عند
الشروع في
محاولة
الكتابة
الروائية
، وأن يكون
هنالك بذل
للجهد
المضاعف
حتى
يستطيع
الكاتب أن
يستخرج
أفضل ما
لديه ، وأن
يتم
الاهتمام
أيضاً
بالمضمون
وبالبناء
الفني
والسعي
إلى
التميز
والإبداع
ومضاعفة
الجهد من
أجل أن
يضيف
الكاتب
جديداً
إلى
الرواية
العربية
ويقدم
خصوصية
عمانية .
|