إطلالة
على عالم
الرواية
هذا
العطش
الدائب
للحكي ،
للسماع ،
للري ، هذا
الشغف
بالمتخيل
، بالحلم ،
باللامتوقع
.. الرواية
هذا
الهيام
بالفرجة ،
هذا النهم
للإكتشاف
، وهذا
الفضول
للمعرفة ،
وهذه
الدهشة
الدائمة ،
وهذا
العشق
لتأمـل
البدايات
والنهايات
،
الروايـة
هذا
الإغراء
الذي لا
يرد ، هذا
السغب
الدائم
لبدء حياة
جديدة ،
وهذه
الرغبة
الدائمة
في كسر
سطوة
الزمن
والتلاعب
بقواه
المدمرة
التي تذهب
بالتفاصيل
.. بالبشر ..والأماكن
إلى الموت
والنسيان .
من
أين خرج
هذا الفن ،
هذا السحر
الحلال ؟
أية أشواق
أية أفكار
، أي خيال ،
أي جنون
أخرج من
عباءته
هذا الفن
الممتع
الذي أخذ
بمجامع
الألباب ،
وهيأ
الإنسان
لأن يحاكي
الحياة في
الخلق ،
وينتصر
على الزمن
عبر لعبة
السرد
وتدفق
الكلمات ،
ومعها
تبنى
العوالم
وتشاد
الأماكن
وتتوالد
الشخصيات
وتتدافع
الأحداث
والصراعات
وتتشابك
وتتعقد
وتنساب في
تغير
وتبدل
دائم مثل
نهر
الحياة مع
فارق بسيط
وهو أنك
قادر
دائماً
على
العودة
إلى
البدايات
والإستمتاع
مرة أخرى
بالحياة
في لحظات
ولادتها
وتكونها .
قيل
عنها أنها
تاريخ من
لا تاريخ
لهم ، وقال
عنها هيغل
ذات مـرة
بأنها "
ملحمة
البرجوازية
" وحين
إزدهرت في
العالم
العربي
حاول
البعض أن
يطلق
عليها إسم
ديوان
العرب
الجديد ،
لكن ثمة
تعريف
جميل
للرواية
لازال
ساكناً في
ذاكرتي
وأراه
الأصوب
والأقرب
إلى فهمي
ومعرفتي
بالرواية
وهو ما
قاله
الروائي
الليبي
الرائع
إبراهيم
الكوني
عنها حين
قال : " إن
الرواية
هي تاريخ
الروح
البشرية "
، وأتصور
أن
الرواية
هي مرآة
صادقة
تجلو لنا
الروح
البشرية
في
أحلامها
وإنكساراتها
، في
أشواقها
وعذاباتها
، في
صفاءها
وحيرتها ،
وسعادتها
وخيباتها ..
وتكشف لنا
ما يعتمل
في دواخل
الإنسان
من صراعات
وتناقضات
بين الخير
والشر ،
وهذا
التداخل
المروع
بينهما في
أحيان
كثيرة ،
وهي في كل
ذلك تحـرض
أنبـل ما
لـدى
الإنسان ،
تستفز
قواه
المنيرة
نحو الخير
والعـدل
والحـب
والسلام .. ـ
ربما هذا
هو ما
أراده
أرسطو حين
قال بدور
الفن في
التطهير ـ
ولأن
الرواية
الصادقـة
والناجحة
إبنة
بيئتها
تماماً
فإنها
تستشف روح
البشر
وسمـات
المكان ،
وتمتص من
الواقع
مادتها
الخام
لتخلق
منها
شخصيات
وأماكن
وأحداث
لها
النكهة
والمذاق
الخالص
لروح هذه
البيئة ،
وتعكس
أحلام
الناس
العاديين
وهمومهم
وأفكارهم
وطموحاتهم
.. وتصبح
بالتالي
لسان
الناس
والمرآة
التي يرون
فيها
أنفسهم .
لهذا
فإن
الرواية
منجـم
كبير
لتكوين
معرفة
حقيقيـة
وعميقـة
عن أي شعب
من الشعوب
، فالروح
الأصيلة
للشعب
الروسي
بطبيعته
ومزاجه
ونظرته
للحياة
ومفاهيمه
ومعتقداته
وطريقته
في
التعامل
مع الحياة
أو في
التحايل
عليها
تتكشف لنا
بوضوح عبر
أدب
دستوفسكي
وتولستوي
وغوغول ..
ودول
البلقان
يمكن
التعرف
عليها
بشكل أكبر
وتكوين
معرفة
حقيقية
بها
وبشعوبها
وأعراقها
المختلفة
وإكتشاف
كل ذلك على
نحو رائع
من خلال
أدب إيفو
أندريتش ـ
رواية "
نهر على
جسر درينا
" على سبيل
المثال ـ
وأدب نجيب
محفوظ
يجعلنا
نرى
القاهرة
بشكل أوضح
، ونتعرف
بدقة على
الإنسان
المصري
البسيط ،
وجوهر
الشخصية
المصرية ،
وعبد
الرحمن
منيف في
روايته "
أرض
السواد "
ينجح في
الكشف عن
جوهر
الشخصية
العراقية
بشجنها
وأساها
وأحزانها
وأحلامها
الصغيرة
في حياة
أقل بطشاً
وإمتهاناً
،
وإبراهيم
الكوني
ينفذ بشكل
مبهر إلى
إنسان
الصحراء
المعذب
بأشواقه
السماوية
ونداءاته
الأرضية ،
وأثر
الصحراء
على البشر
وأمزجتهم .
ولا
شك أن
الرواية
هي لسان
حال
المهمشين
أو الذين
لا تاريخ
لهم أو
بمعنى أصح
من تغفل
كتب
التاريخ
الرسمي
ذكرهم مع
أنهم في
كثير من
الأحيان
هم صانعي
التاريخ
الحقيقي ،
إن إبن
الفولي
اللبان (
رواية بين
القصرين )
الذي يترك
بضاعته
ليشترك في
مظاهرة ضد
الإنجليز
ويقتل
فيها لا
تذكره كتب
التاريخ
والسياسة
التي تهتم
بأخبار
الزعماء
والقادة
السياسيين
البارزين .
كما
أن
الرواية
حياة
بأكملها ،
إن
الرواية
مقولة " إن
الحياة
تجتهد كي
تقلد الفن
تنطبق أشد
الإنطباق
على
الرواية ،
لأنها
بشموليتها
وتعدد
شخصياتها
وأحداثها
والصراعات
داخلها
وهذا
التشابك
في
العلاقات
تخلق حياة
حقيقية
تمنحنا
متعة
العيش
فيها
والإندماج
بها
والتعرف
على أناس
لم نكن
نعرفهم من
قبل
والتجول
في أماكن
وطرقات
والدخول
إلى بيوت
ومخادع لم
نكن نحلم
أو لم يكن
ممكن أن
ندخلها
أبداً .
وأتصور
أن قارئ
الرواية
بعد أن
يعيش في
عوالم
روائية
مختلفة
ويكتشف
ويدهش
بسخاء
الحياة
المعروضة
أمامه ،
وبعـد أن
يستنشق
هـواء
البيئات
المختلفـة
بأشجارهـا
ونباتاتها
،
بحواريها
وأزقتها ،
بمدنها
ومتاهاتها
وبعد أن
يدخل في
الغرف
السرية
وأقبية
الذات ،
وبعد أن
يلتحم
بمشاعر
الشخصيات
بأحلامهـا
وهمومهـا
،
بتناقضاتها
وأوهامها
،
بخيباتها
وإنكساراتها
.. وبعد أن
يهذي من
الجنون
ويهمهم من
البؤس
الذي يملأ
الحياة ! ..
وبعد أن
تختلط
دماؤه
بدماء
الشخصيات
ومشاعرها
واضطراباتها
، وبعد أن
يتوحد
ويتماهى
ويمارس
لعبة
الإسقاطات
والمرايا
، ومعها
يكتشف
ذاته
والآخرين
من حوله ،
ويتعرف
على المدن
والناس
والنفس
الإنسانية
الغامضة
والملتبسة
، ويستمع
إلى
منولوجها
الداخلي
السري
الذي لا
تجرؤ
أحياناً
على
التصريح
به
لخطورته ! ،
وبعد أن
يعايش هذه
الحالات
وغيرها
وبعد أن
يصطلي
بهذه
التجارب
وبعد أن
يطوف
ويتنقل من
رواية إلى
أخرى ،
وتبدأ هذه
الروايات
في التركز
والتخمر
في مكان
مجهول من
ذاكرته
وروحه ،
أتصور أنه
حينها
يبدأ في
الإكتشاف
أن ثمة
عوالم
روائية
تجتذبه
دون غيرها
، وأن ثمة
روائيين
استثنائيين
بالنسبة
له يبحث
عنهم ،
يتعلق
بكتاباتهم
، ويكتشف
ربما أن
بينه وبين
ما يكتبون
شبهاً
روحياً
عميقاً ..
لهذا يبدأ
بالإهتمام
بهم
كثيراً
والبحث
عنهم وعن
كتاباتهم
وتبدأ
عندها
قناعات
معينة
تترسخ في
ذهنه ،
ومعايير
للأفضلية
يرى أن
تواجدها
هو ما يخلق
في نفسه
هذه
المتعة
الهائلة
والغامضة
والعصية
على
التفسير
في أحيان
كثيرة .
|