إلـى
السمــــــــــــــــــــــــــــاويُّ
الطريــد
مديح
درويش
العالي
"خضراء
أرض
قصيدتي
خضراء
يحملها
الغنائيون
من زمن إلى
زمن
كما
هي في
خصوبتها.."
محمود
درويش
لم
تصل
القصيدة
العربية
إلى هذه
الدرجة
العالية
من
التكثيف
والعمق ،
كما وصلت
لدى "محمود
درويش " ،
ولم تصل
إلى هذه
الشعرية
الشفيفة
الأصيلة
الخالصة ،
كما وصلت
عند هذا
الشاعر ،
لكأني
بمحمود
درويش وهو
يكتب شعره
يعتصر
روحه ..
ينقّطها ،
كي تهب لنا
من
كَرْمِهاَ
نبيذاً
خالصاً لم
تعهده
الحياة من
قبل ،
نبيذاً
قادراً
على أن
يبعث في
الدم لذة
الأزلي ،
وأن يمنح
الروح
منتهى
الإنفلات
من قيود
المكان
والزمان ،
لا ليرمي
بها في
المجهول
بل
ليثبتّها
في لب
العناصر ،
وفي خلاصة
المعنى
الحقيقي ،
الذي
يحمله
وعيه
الفكري ،
وضميره
الوطني ،
ورؤيته
الثاقبة ،
وحنينه
الدائم
إلى وطن
متخيل ،
يعيد إلى
ذاته
التوازن
من مرارة
الفقد ،
وفجيعة
الهزيمة
والمنفى .
ورغم أن
موضوعات
الشعر
الأزلية
كالحب
والعشق
والموت
والحياة
والزمان
والغربة
والمنفى
لا تتغير ،
إلا أنها
تكتسب لدى
هذا
الشاعر
ذروة
المعنى
الذي لم
تستطع أن
تصـل إليه
قرائح
الشعراء ،
ومنتهى
العمق
والجمالية
التي لم
تستطع أن
تقترحها
مواهبهم
الشعرية
هذا لأنه
كما وصفه
جبرا
إبراهيم
جبرا حين
قال : "
محمود
درويش هذا
الشاعر
الرائع ،
المذهل :
إنه صاحب
أكبر رؤية
ذاتية ،
يهبها
العالم
بسخاء
خرافي . إنه
جزء مـن
هـذا
الواقع
الفاجع
الذي
يعيشه
ويكتب عنه
آلاف "
الشعراء "
الآخرين ،
ولكن
رؤيته
الذاتية
له هي التي
تضعه
الأسمى
منهم
جميعاً " .
لهذا تشعر
بعد أن
تقرأ
لمحمود
درويش أنه
أخذ
المعنى
ولم يترك
للآخرين
سوى وشلا .
كما
أن
الإيقاع
والموسيقى
جزء رئيسي
من بنية
قصائد
محمود
درويش ،
فهو شاعر
غنائي
حساس ،
يرهف سمعه
لأصوات
الأشياء
العابـرة ..إيقاعـها
الداخلي ،
كي يعيد
مَوْسَقَتَهَا
، وتلحينها
، وعزفـها
بناي روحه
الخاص
والمتفرد
، وكأنه
أحد
الرعاة
الأوائل
في روابي
القدس
والجليل ..
ويستعيد
بذاكرته
روائح
الأشياء
ذات
التعالق
الحميمي
مع روحه ،
وصور
المشاهد
والأشياء
الصغيرة
التي
تختزنها
ذاكرته
الطفولية
، ويمضي
يَحُكَّها
بدمائه ،
كي يضرم في
فتائلها
الذابلة
شهوة
الحياة ،
ويبث في
شرايينها
الدفء ، كي
تتحرك
دماؤها
المتخثرة
، وتمتلك
للمرة
الأولى
ديمومة
المتعة
على أوتار
القصيدة
المشدودة
والخالدة .
وهو
رغم كل ذلك
شاعر مجدد
ومتجدد ،
فهو أحد
الذين
تطورت
وإرتقت
القصيدة
العربية
على
أيديهم من
حيث
البنية
والموضوع
، كما أن
لديه هذه
الرغبة
الدائمة
في
التجاوز
حتى
لإنجازاته
الشعرية ،
فحين
تنتقل بين
قصائده
ودواوينه
القديمة
واللاحقة
، تشعر بأن
هذا
الشاعر
يطارد
قصيدة
أنثى
لاتصل
إليه
تماماً ،
يتحايل
عليها كي
تهبط من
عليائها ،
يخاتل
خفرها ،
ويحاول أن
يأسرها
بشباك
كلماته
الملونة
والناعمة ..
لكنها في
كـل مـرة
تنسل
بشفافية
الضؤ ،
وتحلق
عالـياً
أكثر ،
فيطاردها
بقصيدة
جديـدة ،
أو بشباك
أعلى
تقترحها
عبقريته
اللغـوية
والشعرية
، لكنها في
كـل مرة
تصل ولا
تصل .. وفـي
رحلة
المطاردة
الغزلية ،
والإنهاك
النفسي ،
والتوتر
الوجودي ،
تتوالد
قصائد
محمود
درويش ،
وتتجاوز
كل منها
القصيدة
السابـقة
لها ، وإن
كانت
نكـهة
المطـاردة
الخـاصة
لكل قصيدة
، وإمتياز
الأجواء
الشعرية ،
والأساليب
والصيغ
الإيقاعية
،
والتوترات
الوجودية
، تتعدد
وتتباين
وتتفرد في
كل قصيدة
عن الأخرى .
ولأن
محمود
درويش
شاعر ذو
حساسية
مرهفـة ،
وفنــــان
صاحب وعي
حاد ،
ورؤية
عميقة
للذات
وللوجود
وللعصر
الملتهب
الذي
شـــرده
بعيداً عن
وطنه ،
تحاصره
أحياناَ
غيوم
الواقع
الموحش ..
تتكاثف
حوله ،
وتهبط
بثقلها
على روحه
التي
أنهكتها
وطأة
الغربة
والمنفى
والخسارة
، وفي ذروة
هذا
الحصار
تتصاعد
توترات
القلق
الطفولي
في ذات
الشاعر ،
وتنفتح
هاوية
الذات
الجمعية
الذاهبة
في
التلاشي ،
لترى من
خـلالها
عين
الشاعر
الطفل
رماد
المعنى
الجاثم في
عين العدم
، فيحاول
أن يسند
كيانه
المتزلزل
بشيء
فــلا يجد
سوى
إيقــاع
أغنية
جديدة ،
ينتشل بها
الرائحة
الحميمة
من ذرات
الهباء
المتناثرة
في فضاء
الهاوية
ويختزن
فيها صور
الذاكرة
الشديدة
الدفء ،
وطعم
المعنى
الطفولي
والعميق
للوطن ..
هـذه لحظة
ولادة
القصــيدة
لـدى (درويش)
كما يخيـل
إلي ، إنها
لحظــة
المعاناة
الأليمة ،
وهول
إنتزاع
المعنى من
اللامعنى
الذي يسم
إيقاع
العصر ،
إنها لحظة
الإنتصار
الأسمى
على هذا
الواقع
الموحش ،
وكأنها
طائر فضي
ينبعث من
رماد
المدن
التي
أحبها
درويش
فخذلته ،
وكأن هذا
الشاعر
أراد بحق
محاصرة
حصاره
بالجنون
وبالقصائد
.
ومحمود
درويش هو
شاعر
الفضاءات
الواسعة ،
والرؤية
الطويلة
الممتدة
خارج
أسوار
الزمان
والمكان ،
وهو هذه
القدرة
المذهلة
على
مساءلة
الذات ،
وعلى
اختراق
ظاهرية
المعنى
والحياة
إلى
نقيضها أو
ما يختفي
وراء
مسلماتها
، كي يكتشف
ويجس وقع
الأشياء
البكر ،
وطعم
المعاني
المغيبة ،
التي تحفل
بها
الحياة
فوق الأرض
لا تحت
الطغاة ،
كما قـال
ذات مرة .
هـذا هـو
محمود
درويش ،
الشاعر
الغنائي
الذي حاول
البعض أن
يأسره في
بعده
السياسي ،
كشاعر
للقضية
الفلسطينية
، فراحوا
يفتشون في
كـل
قصائده عن
فلسطين ،
وبشكل
سطحي ،
وحين لم
يجدوها
إتهموه
بالغموض ،
لأنهم لم
ينجحوا في
رؤية
الأبعاد
الأخرى
لهذا
الشاعر ،
الذي يريد
دائما أن
يؤسس
عالما
جمالياً
وفنياً ،
يوازي
عالم
الحياة
الواقعية
، وكأنه
يناهض
الموت
بالقصيدة .
مؤخرا
بثت إحدى
القنوات
الفضائية
تسجيلاً
كاملاً
للأمسية
الشعرية
التي
أحياها
محمود
درويش في
بيروت
أثناء
زيارته
الأخيرة
لها ، حيث
إبتدأها
بقصيدة
جديدة
جعلتني
أنا
الموجود
في عمان في
أقصى
الجنوب
الشرقي من
شبه
الجزيرة
العربية ،
والمتسمر
أمام
الشاشة
بتركيز
عالٍ ، لا
أتمالك
نفسي ، إلى
درجة لم
أعد فيها
أرى
الشاشة
ولا محمود
درويش ،
بصوته
المتعب ،
ونبرته
الحزينة ،
ولا أدري
كيف
إستطاع
الحاضرون
هناك في
تلك
القاعة أن
يستمروا
ثابتين
طوال
إلقاء
درويش
لتلك
القصيدة ..
كان
الشاعر
يرثي نفسه
، بذلك
الحزن
المكثف
والفرح
المكابر
والجمالية
العالية
وأشهد
أنني لم
أسمع ولم
أقرأ
لشاعر من
قبل
يتعامل مع
موضوعة
الموت ،
بتلك
الأسئلة
البكر
التي تفتح
مغاليق
الكون ،
وتحاور
الدنيا
والآخرة ،
والطين
والروح ،
وتشد على
جراحاتها
كي تسمو
على
الأسوار …!!.
|